جررتُ خيبتي خلفي مُتثاقلاً كي أكمل يومي, متسائلاً ما الذي أذنبته كي يحصل معي ذلك! وأيُ صُدفةٍ تلك التي جمعتنا ولم تجمعنا في الوقت ذاته. لا عليك فمن المستحيل أن تتكرر تلك الصدفة!
أخيراً قد جاء الخميس. طعم هذا اليوم هو ذاته لا يتغير سواءً كان في غربتك أم في وطنك, هو الإعلان عن بدأ تأهيلك لأسبوع عمل آخر ممل.
اليوم كنتُ مدعواً إلى حفلٍ يقيمه صديقي خليل في منزله, دعا إليه أصدقائه العرب من المقيميين هنا. في البداية إحترت ما الذي سأخذه معي له, ليس فرنسياً لأخذ له زجاجة من النبيذ! لربما أعطيه بعض الزعتر وما حمَّله معي أبي رغماً عني. أدركتُ لاحقاً أنه لم يكن يهتم إن كنت أحبهم أم لا, فقط أرادا بأن يبقي معي شيئاً من رائحة البلاد. لا, سأجد شيئاً آخر لخليل..
إستقبلني خليل مرحباً حين وصلت, طلب مني أن أتفضل بالدخول وأن أتصرف كأنني في منزلي وأعتذر مني بأنه سينشغل عني لبعض الوقت. دخلت بخطوات بطيئة علّني آرى وجهاً مألوفاً لأتحدث معه, إلى أن أوصلتني قدماي إلى الأريكة, فجلست منتظراً أن يأتي خليل أو أي أحدٍ آخر أعرفه, أو أن أتعرف على أحدهم وأكسر ذلك الشعور بالملل وعدم الإنتماء إلى هذا المكان.
مر بعض الوقت قبل أن تجلس بجانبي فتاة, لم ألتفت كي آرى من هيَّ.
بادَرت بالحديث أولاً: - كيف كانت رحلتك مع ذلك الأسيوي النحيل؟
أعدتُ السؤال في رأسي كأنني لم أسمعه أول مرة, في البداية خفت أن ألتفت إلى مصدر الصوت فلا أجد أحداً بقربي وأكونُ قد جننت. إلتفتُ إليها وإرتسمت إبتسامتها على وجهي حين رأيتُها, كأن الزمان قد توقف عندما سرحتُ في لمعة عينيها وكِدتُ أنسى أن أجيبها!
- تظاهرت بأنني أخرس عندما أطلعته على إسمي, ليبقى صامتاً حتى نهاية الرحلة.
- على الأقل قد علم بإسمك, أما أنا فلا.
- أعتذر, إسمي حسام. هلي لي بأن أعلم ما إسمك الآن؟
- إسمي سوسن, تشرفتُ بمعرفتك. هل أنهيت قراءة "سيرة مدينة" أُريدُ أن أستعيرها منك عندما تنتهي منها؟
- وكيف علمتي بأنها معي؟
- رأيتك ذات يوم في الأسبوع الماضي وأنا في طريقي إلى المعهد الموسيقي, كنت شارداً في روايتك ولم تنتبه أنني قد كنت في الطرف الآخر من المقصورة. يبدو أن من جمالها قد أخذت عقلك!
- أتقصدين جمال الرواية؟ سأعطيكِ إياها كعربون صداقة.
وكأننا هُنا لوحدنا, تحدثنا في كُل شيء إلى أن تأخر الوقت وحان موعد مغادرتنا. أوصلتها إلى منزلها, وصباح يوم الأحد كنت واقفاً أنتظرها أمام شقتها. إتضح أنها تسكن بقربي, والمعهد الموسيقي الذي تذهب إليه أيضاً بقرب عملي فتأخذ القطار ذاته كل يوم, إلا أنها كانت تخرج قبلي ببضع دقائق لذلك لم آراها إلا مرة واحدة حين تأخرت ذلك اليوم.
إتفقنا أن أنتظرها لنذهب سوياً كل يوم, أصبحتُ أشرب قهوتي عندما أصل لعملي لكي لا أتأخر عليها. بقيتُ أنتظرها في الحر في المطر في البرد والثلج, إلا أن جاء اليوم الذي توقفتُ فيه عن ذلك! بعد ذلك اليوم أصبح شروق الشمس في إبتسامتها أولُ شيئٍ آراه عندما أستيقظ.