Saturday, 13 September 2014

وسط البلد منتصف الليل

لا زالت ساعتي تعمل على توقيت الحياة في رمضان, لكن يبدو أنها قد عادت إلى سابق عهدها وقلّت حركة الناس بعد منتصف الليل, أو ربما فقط في هذا الجانب من المدينة. إن أردت ان تعرف شوارع عمان, عليك أن تمشي بها! فأدراجها بتشعباتها وطرقها ذات المسرب الواحد تشجعك على ذلك.


نبدأ بمخبز صلاح الدين, كعك مع بيض مشوي ثم تكمل سيرك بإتجاه وسط البلد  لتصبح ما بين ثلاث جبال, على يمينك جبل اللويبدة وعلى يسارك جبل القلعة وجبل الحسين. تمُر من أمام وزارة المالية.. دركي يجلس أمامها واضعاً القدم على الآخرى يتسلى بهاتفه, وعلى الجانب الآخر من الشارع دركي آخر يقف متأهباً أمام البنك المركزي ومتحف النقد.


ينتهي الطريق بمسرب إلى اليمين بإتجاه وسط البلد مروراً بدرج الكلحة, إلا إذا أخذت الجسر بإتجاه شارع الأردن مروراً بنفق أسفل جبل القلعة. كل شيء مغلق إلا بعض المحلات! إمتدت عمان الغربية إلى أطراف وسط البلد فتكاد تنتهي عند مبنى البريد الأردني. الشارع شبه ميت إلا في بعض الأماكن بالقرب من هاشم, حبيبة, شهرزاد وبعض المقاهي التي تبدأ بجفرا وتكاد لا تنتهي.


نكمل يساراً.. رجلٌ كهل يلبس قميص أمن يجلس على مدخل سوق الذهب, ونظارتين لربما معه منذ طفولته. تعود الحياة لتظهر قرب محل للقصب على الناصية, رجلٌ قد بدا عليه الجنون يخبر كهلاً آخر عن ملياراته التي فقدها. ثم  تصل إلى تقاطع آخر, على اليمين بإتجاه رأس العين وعلى يسارك يإتجاه الساحة الهاشمية والمدرج الروماني وخلفهم جبل التاج وجبل الجوفة. وأمامك مقهى -سبيل الحوريات- بطابقين إثنين تستغرب جمال سقفه, وتستغرب رؤيتك له لأول مرة في حياتك! ربما لإنه كان الوحيد المضاء في عتمة ذلك التقاطع آن ذاك.


تأخذ يميناً.. على الجانب الآخر من الطريق, إثنان من إنضباط الشرطة يسيران. سوق السكر مُغلق! الجدير بالذكر بأنه لا يتغير فيه شيء عند أغلاقه سوى عدم وجود أحد, الخضار والفواكه بمجملها لا زالت كما هي على البسطات فيه. ساحة المسجد الحسيني أصبحت منزلاً بلا سقف لبعض من تجاوزوا عقدهم الخامس, فراشهم قطعة من الكرتون وغطائهم أسود مرصع بالنجوم.


يكاد يخلو الشارع من المارة إلا من بعض السيارات التي قد كان من فيها يأكل هنا أو يسهر هناك, إثنان آخران من إنضباط الشرطة يسيران في الطرف الآخر من الشارع. تصل  سوق "الوحّامات"  وهو الوحيد الذي كان مضاء في سوق الخضار, سبب تسميته بهذا الأسم وجود الفاكهة بأنواعها لديه على مدار العام.


الشوارع نتنة وكلمة وسخة قليلة عليها, هذا يعكس ثقافة شعب لإنها لم تأتي من السماء.  في الصباح الباكر تصبح الشوارع نظيفة, لأنك وأنت راقد في سريرك هناك من يكنس الشوارع بعدما جعلتها قذرة, وبكل قذارتك تنظر إليه.. بإزدراء!


هناك عدة شوارع -دخلات- لتتنقل بين جانبي الطريق, أحدهمها يوجد فيه درج ثم ممر أشبه بدهليز, هذا هو "سوق الحرامية" بالقرب من مصف للباصات مثل: حطين, نزال, جبل الأخضر, بدر,  إسكان التلفزيون…  ومقابلها طلوع سوق المانجو.


إلى الأمام قليلاً تصبح على يسارك "الجورة" وعلى يمينك على الناصية هناك حشد أخر عند محلي شاورما أحدهما يبيع قصب سكر, كفتيريا الهنيني.


على بعد أمتار من المحلين رجلٌ في عقده الخامس أو السادس بلحيه غير مشذبة قد تخللتها خيوطٌ من الشيب, بملابس مُهترئة يتخذُ من عتبة محلٍ للفراش فرشةً له, ينظر بسرعة ليرى من هو مار بجانبه ثم يعود للنوم. وأنتَ تموت خجلاً من أن يراك تنظر إليه!

تمضي السير فليس هناك أحقر من عدم قدرتك على فعل شيء, وقبل أن تصل دوار النخيل على يمينك هناك "الكَمال" فتتذكر طفولتك عند زيارتك لبيت جدك وأنتَ تعدو خلف رجلٍ يدور بعربته وهو يبيع "الدحدح" في جبل التاج. لكنه مات وبقى هذا المحل وحده من يبيعك "الدحدح" ليذكرك به.


تمر بجانب المتحف الأردني.. تتذكر عند بدأ العمل به بأنه سيتم إفتتاحه عام 2007! لا تعرف إذا تم الإنتهاء منه  فعلاً أو لا. بالقرب من المكتبة بعضُ العائلات يجلسون على النجيل, أطفال يتراكضون; لماذا لم أبقى طفلاً؟! ليس لدينا أماكن مخصصة للتنزه, حتى منطقة العشب التي يجلسون عليها موضوعٌ عليها لافتة تمنع الإقتراب منه. ربما وضع فقط لتشتم رائحته وتشاهده من بعيد!

غصةٌ في القلب تصيبك عند رؤية مركز الحسين الثقافي, عندما تتذكر مقالات مديره. لكنها تذهب عند رؤيتك لرجلٍ يدرب أبنته على الرجوع للخلف والإصطفاف في ساحة الكراج المجاورة للمركز, تحت قمرٍ نصف مُكتمل فوق الجبل الأخضر.

No comments:

Post a Comment