Tuesday, 3 September 2013

الصدفة الأخيرة-part3



جررتُ خيبتي خلفي مُتثاقلاً كي أكمل يومي, متسائلاً ما الذي أذنبته كي يحصل معي ذلك! وأيُ صُدفةٍ تلك التي جمعتنا ولم تجمعنا في الوقت ذاته. لا عليك فمن المستحيل أن تتكرر تلك الصدفة!
أخيراً قد جاء الخميس. طعم هذا اليوم هو ذاته لا يتغير سواءً كان في غربتك أم في وطنك, هو الإعلان عن بدأ تأهيلك لأسبوع عمل آخر ممل.

اليوم كنتُ مدعواً إلى حفلٍ يقيمه صديقي خليل في منزله, دعا إليه أصدقائه العرب من المقيميين هنا. في البداية إحترت ما الذي سأخذه معي له, ليس فرنسياً لأخذ له زجاجة من النبيذ! لربما أعطيه بعض الزعتر وما حمَّله معي أبي رغماً عني. أدركتُ لاحقاً أنه لم يكن يهتم إن كنت أحبهم أم لا, فقط أرادا بأن يبقي معي شيئاً من رائحة البلاد. لا,  سأجد شيئاً آخر لخليل..

إستقبلني خليل مرحباً حين وصلت, طلب مني أن أتفضل بالدخول وأن أتصرف كأنني في منزلي وأعتذر مني بأنه سينشغل عني لبعض الوقت. دخلت بخطوات بطيئة علّني آرى وجهاً مألوفاً لأتحدث معه, إلى أن أوصلتني قدماي إلى الأريكة, فجلست منتظراً أن يأتي خليل أو أي أحدٍ آخر أعرفه, أو أن أتعرف على أحدهم وأكسر ذلك الشعور بالملل وعدم الإنتماء إلى هذا المكان.

مر بعض الوقت قبل أن تجلس بجانبي فتاة, لم ألتفت كي آرى من هيَّ.
بادَرت بالحديث أولاً: - كيف كانت رحلتك مع ذلك الأسيوي النحيل؟
أعدتُ السؤال في رأسي كأنني لم أسمعه أول مرة, في البداية خفت أن ألتفت إلى مصدر الصوت فلا أجد أحداً بقربي وأكونُ قد جننت. إلتفتُ إليها وإرتسمت إبتسامتها على وجهي حين رأيتُها, كأن الزمان قد توقف عندما سرحتُ في لمعة عينيها وكِدتُ أنسى أن أجيبها!

- تظاهرت بأنني أخرس عندما أطلعته على إسمي, ليبقى صامتاً حتى نهاية الرحلة.
- على الأقل قد علم بإسمك, أما أنا فلا.
- أعتذر, إسمي حسام. هلي لي بأن أعلم ما إسمك الآن؟
- إسمي سوسن, تشرفتُ بمعرفتك. هل أنهيت قراءة "سيرة مدينة" أُريدُ أن أستعيرها منك عندما تنتهي منها؟
- وكيف علمتي بأنها معي؟
- رأيتك ذات يوم في الأسبوع الماضي وأنا في طريقي إلى المعهد الموسيقي, كنت شارداً في روايتك ولم تنتبه أنني قد كنت في الطرف الآخر من المقصورة. يبدو أن من جمالها قد أخذت عقلك!
- أتقصدين جمال الرواية؟ سأعطيكِ إياها كعربون صداقة.

وكأننا هُنا لوحدنا, تحدثنا في كُل شيء إلى أن تأخر الوقت وحان موعد مغادرتنا. أوصلتها إلى منزلها, وصباح يوم الأحد كنت واقفاً أنتظرها أمام شقتها. إتضح أنها تسكن بقربي, والمعهد الموسيقي الذي تذهب إليه أيضاً بقرب عملي فتأخذ القطار ذاته كل يوم, إلا أنها كانت تخرج قبلي ببضع دقائق لذلك لم آراها إلا مرة واحدة حين تأخرت ذلك اليوم.

إتفقنا أن أنتظرها لنذهب سوياً كل يوم, أصبحتُ أشرب قهوتي عندما أصل لعملي لكي لا أتأخر عليها. بقيتُ أنتظرها في الحر في المطر في البرد والثلج, إلا أن جاء اليوم الذي توقفتُ فيه عن ذلك! بعد ذلك اليوم أصبح شروق الشمس في إبتسامتها أولُ شيئٍ آراه عندما أستيقظ.

Monday, 2 September 2013

القطار -part2




مضى لي شهرٌ هُنا, قل شعوري بأنني غريب, وأصبح لي روتيني اليومي الممل, أكسر ملله نهاية الأسبوع! أستيقظ باكراً, أشربُ قهوتي الصباحية, ثم أذهب إلى عملي مستقلاً القطار. في البداية كنت أقرأ عناوين الصحف والمجلات أو أسماء الروايات مِن مَن كانوا يقرأون من حولي. لاحقاً جاء اليوم الذي فيه إنضممتُ إليهم بقرائتي معهم, فبدأت ب "سيرة مدينة" لأسافر عبر الزمان والمكان إلى عمان.


اليوم كان مثل أي يوم غيره, لم يتغير به أي شيء عن سواه, إلا أن شخصاً آخر قد تداخل يومي بيومه! وقفتُ في آخر المقطورة وإنغمستُ في القراءة كغيري. في اللحظة التي توفقت فيها عن القراءة ونظرتُ أمامي, أخذتُ أتطلع على وجوه الآخرين. كانت هيَ, نعم هيّ ذاتها بقميصٍ أبيض وشالٍ حريري تلَون بالأحمر والأسود قد إلتفَ حول عُنقها.
كان كُلٌ منا في الطرف الآخر من المقطورة! المكان جداً مُزدحم لا أعرف كيف أصل إليها, هذه المرة لن يكون رجلاً هزيلاً من يُذهب فرصتي من معرفتها, بل أنا وبلادتي في التصرف. لم تنتبه إلي! يكادُ القطار أن يصل محطتي ويكادُ عقلي أن يتوقف عن العمل من كثر السيناريوهات التي قد رسمها عقلي وانا متيقن ان أحداً منها لن يحدث.


أعلنت أصواتُ المكابح وصول القطار إلى المحطة التي سأنزل بها, لا أُريد النزول قبل أن آراها تغادر هيَّ أيضاً. تُفتح الأبواب فتخرج جيوشٌ من النمل إلى خارج المقصورة, وأعودُ أنا لأشرد بنظري باحثاً عن شالها الحريري, كمن يبحثُ عن إبرةٍ في كومة قش. بقيتُ في المحطة إلى أن أصبحت شبه خالية, إلى أن إختفت ولم تبقي من أثرها سوى عطرها.

جررتُ خيبتي خلفي مُتثاقلاً لأكمل يوم, متسائلاً ما الذي أذنبته كي يحصل معي هذا.. 
يتبع...

Sunday, 1 September 2013

المطار -part1



تكون المطارات أقل إكتظاظاً ساعة الفجر, وتوديع الأهل يكون أسهل حيثُ تغادرهم بصمت وهم نائمين. آصر من كان معي من أصدقائي أن أتناول إفطاري الأخير معهم قبل أن نكمل المسير إلى المطار. وجهتنا الآن "هاشم" لا أنكر عدم حبي له, لكن في تلك الساعة بدا للجميع الخيار الأمثل ووافقت لأنني أردت أن أودع شوارع عمان التي حفظت قدماي زوايها وادراجها وحضنت صباي!

لا تنظر إلى الخلف فقد تعودُ لك الذكريات, أول شيء من كل شيء قد حصل هُنا, كُل الذكريات بأشخاصها وأماكنها. تصل إلى المطار وأنت بأبهى حلتك كطفلٍ إرتدى ملابسه الجديدة صباح العيد, لأنك لا تعلم من ستلتقي فالمطار هو بوابة تمر بك عبر العالم. تودع أصدقائك لتكمل طريقك إلى الطائرة وحدك.

وصلت مقعدي ولم أستطع أن أوقف إبتسامتي حين رأيت من تجلس بجانب مقعدي, ذهبت جميع الإحتمالات السيئة االتي فكرت بها. لم أفكر إنني سأجلس بجانب أنثى بجمالها بدلاً من طفلٍ مُزعج أو رجلٍ كريه الرائحة. كانت كأنها تجلس في منزلها وهي منهمكة بقراءة الرواية التي تحملها بيدها, سلسل شعرها على كتفها الإيمن, لم أستطع أن أقرأ إسم الرواية عندما إلتفتت إلي وبادلتني الإبتسامة, فجلست بسرعة وذهبت مني فرصتي ببدأ الحديث عن طريق إسم الرواية.

ثواني ويأتي صوتٌ رفيع مزعج يصدر من رجل هزيل يبدو من ملامحه انه آسيوي, فيقول لها بأنها تجلس على مقعده. صُدمت أكثر منها كأنه صفعني على وجهي, قامت بسرعة وأحمر وجهها خجلاً من الموقف وأعتذرت منه, أما انا فأردت ان أسب أباه وأرميه خارج الطائرة. ظننتها ستكون أول شخص سأعرفه في غربتي الموحشة وربما أكثر, لم أدرك حتى إسمها. جلس مبتسماً كأنه إنتصر في معركة, عرَفني على إسمه أما أنا فكتبته على ورقة مدعياً أنني أخرس كي يلزم الصمت لنهاية الرحلة.

ربما سأراها عندما تهبط الطائرة, حتماً سوف أراها. عندما نزلنا بقيتُ شارداً بنظري أبحثُ عنها, حتى إنني نسيتُ من كان ينتظرني لإستقبالي في المطار ومررتُ من قربه كأنني لا أعرفه, إلا أنا أخذ يعدو خلفي ومسك كتفي. حينها إستيقظت مما شردتُ به!
ما بين مطارين كأنني أنهيت حياة في الأول وبدأت حياة آخرى في الثاني, ذكريات ستكتب بأشخاص وأماكن جديدة.

مضى لي شهرٌ هُنا, قل شعوري بأنني غريب… يتبع

Wednesday, 28 August 2013

إعدام مقال



هذه هذربة أكتبها في آخر الليل وإن كنت مصاب بجنون العظمة سأقول عنها مقال وأغتصب معنى هذه الكلمة!
هي تغريدة تجاوزت حد المائة وأربعون حرفاً وكثيرٌ عليها أن أكتبها هنا على صفحة إلكترونية مهمشة.
كل فترة نتفاجأة بإتقان نصف الشعب مهنة معينة, هم لا  يتقنوها حرفياً بل يظنون أنهم يتقنوها وهم لا يعرفون الألف من الياء  في تلك المهنة, ففجأة تراهم مصوريين عالميين “وفقاً لتصورهم”, أو شعراء أو كتاب ويبدو أحياناً صحفيين.

إترك الخبز لخبازه ولو أكل نصفه أفضل من أن يحرقه جاهل. كن بارع في مهنة محددة ولا تدعي الفهم في كل شيء وتضحك على نفسك وعلى من حولك, وإذا إعتقدت أن المواقع الإجتماعية هي عالم آخر فأدعوا الله أن تستيقظ من حلمك وتلامس قدماك الأرض لتذكرك بالواقع.

من الجميل أن ترى وجهات نظر مختلفة ولكن من المؤسف كيف يكفر ويهاجم كل صاحب رأي معين الآخر, هذه مواقع تواصل إجتماعي “خطين تحت كلمة تواصل” ولكن أصبح الحال أشبه برياض الأطفال نظراً للمستوى المستعمل في النقاش.

لن أطيل الحديث وأنّظر على الجميع! فكل شخص لديه عقل ليس مني بل من ربٍ أعطاه تلك الأفئدة ليتميز عن باقي خلقه. إن إستعملها أم لم يستعملها هو حرٌ بنفسه طالما تفكيره العقيم لن يؤذيني.

في المدرج الصغير



     هيبة هذا المدرج تملىء زواياه. قد كان يجلس هنا من قبلك إمبراطور منذ زمن بعيد أغبر, نسماتٌ صيفية تعيد لك الروح كلما هبت تحت سقفه الأسود المرصع بالنجوم.
بدأت الأوركسترا الصغيرة تملىء المكان بالموسيقى العذبة, كأنك لأولِ مرةٍ تسمع! الأوركسترا عالم آخر عندما تكون أمامك, تسمعها قطعةً واحدة أو كلُ آلة على حِدا.

    في ذلك الجو الملائكي لن يزيده جمالاً إلا أن ترى ملاكاً! كان الجمالُ شرقياً وسيبقى .. هذا ما قرأتُه في لمعة عينيها.
هل أنا أحلم تقول في نفسك; من تأثير موسيقى الكمان فرأيتُ ملاكاً, تُغلق عينيها فتغلقها أنت أيضاً, لا ترى شيئاً فكل حواسك في أُذنك. آُذنك التي بعد أن كانت تائهة في الصحراء وجدت نفسها في واحة من الموسيقى!

إنتهى الحفل وآمتلىء المدرج بالناس مغادرين كالنحل, من أين أتيتم فقد كُنتُ وحدي في المدرج في حضرة الأوركسترا وملاكٍ شرقي.
من شدة جمال الموسيقى حين غادرت لم أذكر أنني قد رأيتُ ملاكاً, إلا أن توقف صدى الموسيقى في أُذني وعادت تائهة في الصحراء! حينها ذكرني قلبي بها.

المقهى

على شُرفة أحد المقاهي قُرب دوار باريس كُنت أجلس بإنتظارها لأن تأتي. لم أمل الإنتظار وأنا مُنصت لLa vie en rose
متأملاً وجوه من كانوا يجلسون حولي، محاولاً ان أعرف ما هي قصصهم فكلُ واحدٍ منهم لديه قصة ترويها عينيه.

جاء عطرها أولاً مُعلناً قدوم الربيع.
وبفستانها الأبيض المليء بالزهور وتفتُح إبتسامتها، أعلنت قدوم الحياة للمقهى وتلون المكان بألوان الزهور بعد أن كان بلونين فقط.

لم تغادر إبتسامتها عن وجهها رغم الحزن الكائن في وجهي، وكأنها علمت كم أشتقتُ لرؤيتها.

- كيفَ حالك؟
- بخير، أنت؟
- عدا عن إشتياقي لكِ، أنا بخير أو يهيأ لي ذلك.
- متى كان لقائنا الآخير؟
- يوم الحادث. قد مضى عامٌ على ذلك.

يبدو أن حديثنا سيطول، فُنجانين من القهوة وكأسٌ من الماء سيفيان بالغرض كي لا يجف صوتي في وسط الكلام، فهنالك الكثير لأرويه.
كنتُ أضع في قهوتي قطعتين من السكر إلا أن غادرتني، فأصبحت كحياتي، مُرة.

- بما شردت؟ ولماذا لم تزرني طوال هذه المُدة؟
- زيارتي لكِ ستعيدني إلى الواقع، هذا ما لا أُريده!
- هل تعرفت على أحدٍ بعدي؟ هل أحببتها؟
- لا، لا أُريد ان أظلم أحدهم بمُعاشرة جُثة هامدة بلا مشاعر، بلا نبض، فقد توقف بذهابك.
- أطلنا الحديث، علي المُغادرة الآن قبل أن يقول عنك الآخرين بأنك مجنون…

أُحاسب على فُنجانين من القهوة أحدهما لم يُشرب، ولم يُحرك الكرسي من أمامه!
أترك جنوني خلفي على هذه الشرفة، لكي أعود إليه بعد عامٍ من الآن!
لحظاتٍ من الجنون ليوم بعيداً عن واقع لا أريد أن أصدقه، قد تبعدني عن الجنون طوال العام.


هيَّ لم تمت. لا أستطيع أن أقول، ولن أقول إنها قد ماتت. هيَّ فقط بعيدة.

أريكة مخملية




تدخل إلى الغرفة لتجدها جالسة بعيونٍ ذابلة على الأريكة, أريكة مُخملية اللون ذات طراز فرنسي قديم.
لا تعلم ماذا تفعل! تجلس بجانبها ببطىء وكأنك خائفٌ أن توقظها من ما هي شاردة به.
تلتفت إلى وجهها مُلقياً نظرك على شفتين ورديتي اللون لترفعهما لاحقاً إلى عينيها الذابلتين.
هناك الكثير من الكلام في عينيها! حُزنٌ قد إمتزج بإطمأنانٍ لإنك الآن بجانبها.


بلطفٍ تضم رأسها إلى صدرك, تتنهد هيَّ كأنها تقول: قد رفعت ثقلاً عن قلبي, وأنت لا تدري ما هو.
لا يُهمك معرفة ما كان يؤرقها بقدر أن تعود بأقرب وقت لمعة عينيها وهيَ مبتسمة!
تُداعب بأطراف أصابعك شعرها الحريري, إلى أن يهدأ نبضها وتنام.


نامت, الصمت عم المكان لا شيء يُسمع سوى صوتُ قلبها! حتى عقارب الساعة قد توقفت.
كأنك لم تسمع كيف ينبضُ القلب قبل اليوم, كأمٍ تسمعُ نبض جنينها أول مرة.
هناك حياة مستلقية على صدرك, هي حياتك أيضاً. تعود للتفكير بما تُخفيه, الإحتمالات كثيرة.
ربما كذبت عليها أحدُ صديقاتها وقالت إنني قد خُنتها, ربما قد خانتني وخافت أن أعلم.
لا بد أن أتوقف عن التفكير فالإحتمالات تذهب من أسوأ إلى أسوأ مفسدةً هذه اللحظة.


لحظات وتأتيني رسالة من أخيها ليقول لي أن أباهُ قد مات, الآن إتضح كُل شيء.
ربما هي الآن تحلم أنها نائمة على صدر أبيها كأنهُ لم يمت. فقد أصبحتُ اليوم أباها!